السبت، 16 أبريل 2011

العبرة والتدبير في وعي النخبة ووعي الجماهير


وائل جمال

لا يمر اجتماع حزبي أو ندوة أو لقاء لمناقشة مستقبل مصر دون أن تنطرح هذه الأسئلة: كيف نصل بهذه الفكرة للناس؟ كيف يفهمنا الفلاحون في القرى والمحافظات؟ كيف نوعِّى الجماهير؟ تنطوي هذه الأسئلة على افتراضين أساسيين: أولهما أن السياسيين أو الخبراء أو حتى الجمهور، غالبا هو قاهري من الطبقة الوسطى المتعلمة، يمتلك وعيا أو علما أو أفكارا لا يمتلكها عموم الناس، وثانيهما أن هذا "الوعي" وكأنه مجرد من المصالح. كأنه نظرية علمية في الفيزياء أو ما شابه، وبالتالي فهو غير مردود عليه بأفكار أخرى قد تكون "أصح" من وجهة نظر مصالح أخرى. إنما المشكلة هي أن تستوعبه الجموع "غير المؤهلة لذلك"، أو المعرضة لتأثيرات "جاهلة وظلامية وغيبية ومتخلفة".

والحقيقة أن الافتراضين خاطئان، خاصة في أعقاب ثورة قامت بها هذه الجماهير، دون قيادة من أي من أولئك الذين يمتلكون "الوعي".

ولقد كان "قصور الوعي عند الناس"، و"تدهور التعليم"، و"سيادة الغيبيات"، إلى آخره مبررات أساسية وحججا مركزية في نظريات أولئك الذين أكدوا لنا بيقين راسخ أن ثورة تونس "لا يمكن أن تتكرر في مصر". وهاهي الجماهير تثبت بانتفاضتها البطولية بدءا من 25 يناير وحتى الآن تهافت هذه الأفكار.

إن تشكل "الوعي الاجتماعي والسياسي"، أو مجموعة الأفكار التي تنظم علاقة الناس بالدولة والمجتمع يختلف في حالة الفرد "المثقف السياسي" عنه في حالة الجموع. يحاول من يفترضون سمو أفكارهم على أفكار الناس أن يفرضوا الطريقة الأنسب من وجهة نظرهم في تنظيم الناس: على الانسان أن يقارن النظريات السياسية والبرامج المختلفة وأن يقتنع بأحدها. وقد تصلح هذه الطريقة بين المثقفين، لكنها ليست المحرك الأساسي لتجربة المعرفة عند الجموع. بل إنها ليست الآلية الأساسية لدى المثقفين والمتعلمين الأفراد، حتى وإن ادعَوا ذلك.

يقدم ميكافيللي في كتابه الأمير الحديث نصيحة للحاكم، سارية من القرن السادس عشر، هي أن عليه أن يصبح نصف إنسان ونصف حيوان، نصف ثعلب ونصف أسد. نصف حيوان لأن عليه أن يستخدم القوة لقمع المحكومين لكي يستقر حكمه، ونصف إنسان لأن عليه أن يخدع الناس بالأفكار. ولا تشذ الرأسمالية الحديثة ولا نظم الحكم المعاصرة عن هذه القاعدة، بل زادت أهمية ومحورية السياسة "الثعلبية" في عالم الديمقراطية الرأسمالية المعاصر.

في المجتمعات المستقرة تسيطر أفكار من يحكمون على الأغلبية الكاسحة: ليس في مصلحتك تغيير النظام. هناك مشاكل لكن النظام يعمل على معالجتها. هناك بطالة وأزمة اقتصادية لكن السبب فيها ليس النظام الاقتصادي الذي يخلقها، وإنما العمال القادمون من الخارج. الأقباط أغنياء ويكادوا يسيطرون على البلد بينما المسلمون فقراء. على المرأة أن تبقى في المنزل لكي تفسح المجال لعمل الرجل، "لأن مكان المرأة البيت أصلا". تحرير السوق ومناصرة رجال الأعمال تخلق ثروات طائلة وفقر مدقع لكن القطاع الخاص وحده القادر على إحداث التنمية..الخ.

وفي ذلك لا يمكن استثناء النخب المتعلمة. فهي لا تشكل وعيها ومعرفتها بمعزل عن أفكار نخبة الحكم المسيطرة عبر الاعلام والتعليم والأحزاب والجامع وغيرها. بل إنها هي التي تسهر في أغلب الأحوال على الدفاع عن هذه الأفكار والتصورات المنحازة ضد الناس في الصحافة والمدارس وغيرها، وتتقاضى أجرا على ذلك. وإذا أضفنا عنصر المصلحة الاجتماعية في استقرار النظام للحفاظ على هذه الأدوار واستتباعاتها بالنسبة لمن يملكون "الوعي والتعليم"، نفهم لماذا كان من أيدوا ثورة يناير على طول الخط منهم أقلية ضئيلة، وتسقط نظرية المثقف المجرد من المصالح، الذي يقارن بين النظريات والبرامج بمعزل عن تاريخ أسرته وخلفيات زملائه في العمل، ومصالحه الاجتماعية. وتسقط مع هذه النظرية العملية التي يقوم بعض هؤلاء الآن بمقتضاها، بحسن نية أو بغيرها، بإعادة تقديم أنفسهم كمعلمين للجموع عوضا عن تلامذة لهم، كمن يمتلكون الوعي والمعرفة والخبرة في مقابل الجماهير الجاهلة "التي تسيطر عليها الغيبية والطائفية والمصالح المباشرة والجهل".

الحقيقة أن من يتصور أنه سيبني حزبا واسعا أو يقنع جمهورا حاشدا ببرنامج سياسي على هذا الأساس واهم وسيصطدم بالحائط فورا. إن أهم سمة لا شك فيها للثورة هي التدخل المباشر للجماهير في الأحداث التاريخية. في الأوقات العادية، تضع الدولة، سواء ملكية أم ديمقراطية، نفسها فوق الأمة. ويصنع التاريخ بواسطة الأخصائيين في هذا الفرع من النشاط أو ذاك – الملوك، الوزراء، الموظفون البيروقراط، البرلمانيون والصحفيون. لكن في هذه اللحظات الحاسمة عندما يصير النظام القديم غير محتمل بالنسبة للجماهير، فإنهم يحطمون الحواجز التي تستبعدهم من الساحة السياسية ويجرفون جانبا ممثليهم السياسيين التقليديين ويخلقون بتدخلهم هم الأرضية الأولية لنظام جديد. زهكذا تتحول التعديلات الدستورية بما فيها من تعبيرات قانونية جافة إلى محل للنقاش في المدرسة والمصنع وعلى القهوة، في المكتب وفي الأفراح، وفي كل تجمع للناس.

لا يتشكل وعي الناس في الثورة بطريقة نظرية ولا يكذب، كوعي النخب، فيما يتعلق بالمصالح التي يدافع عنها ويمثلها. ففي السنوات الأخيرة، حين كان المجتمع الرسمي -هذه البنية الفوقية المؤلفة من عدة طوابق، والتي تتألف منها النخب الحاكمة، بشرائحها المميزة، ومجموعاتها، وأحزابها، وشراذمها- يعيش يومًا بيوم، وهو يتغذى بأفكار مهترئة، ويصم أذنيه عن مطالب الثورة الحتمية، تفتنه الأشباح، ولا يتوقع شيئًا، كان ملايين الموظفين والعمال يضربون ويعتصمون دفاعا عن لقمة عيشهم ويتعلمون السياسة الحقة بتجربتهم الذاتية. في معركة المواجهة مع اتحاد العمال الأصفر، والاعلام القومي المأجور، ومباحث أمن الدولة والأمن المركزي، وأعضاء مجلس الشعب الفاسدين، تعلمت الجماهير عن ضرورة الثورة. المعرفة بالمصلحة المباشرة والتجربة الذاتية في الدفاع عنها هي خير معلم للنظريات السياسية في إدارة المجتمع. هكذا تغير الجموع الثائرة أفكارها وليس في حلقات النقاش أو من خلال وصاية خبراء النخب. وهكذا كان ممكنا بعد شهر واحد من تفجر طائفي بحجم ما سببه تفجير كنيسة القديسين أن نرى التعاضد بين جمهور الثائرين مسيحيين ومسلمين. وهكذا أيضا كان ممكنا أن يختفي التحرش الجنسي والنظرة الفوقية للمرأة، التي صارت شريكا مباشرا على قدم المساواة في المعركة ضد الاستبداد، بلا معلم ولا وصاية ولا نخب. هذا وعي اكتسب بالدم، وعي صلد وشخصي وثوري لأنه يمثل مصلحة الأغلبية المقهورة.

الديمقراطية النابعة من قلب ثورة تتميز عن كل ديمقراطية في أنها مباشرة وخاصة بكل واحد منا، ونجومها ليسوا قادة الأحزاب ولا المفكرين. فالناس المتعطشون لتغيير حياتهم يبحثون بكل كيانهم عن الطريق إلى المستقبل بعد أن ثبت لهم بالدليل القاطع أنهم يستطيعون جماعيا وديمقراطيا أن يأخذوا مسئولية المجتمع بأيديهم.

وليس هناك شيء أخطر على الثورة في مصر، من تصدير وترسيخ أفكار النخب التي تحاول انتزاع هذا الدرس وتدميره بالإصرار على أن الجماهير غير قادرة على تدير أمرها بنفسها ولو حتى في صندوق الانتخاب. وأولى بهؤلاء، لو كانوا يريدون الخير حقا، أن ينزلوا إلى الجماهير ويتفاعلوا معهم ويتعلموا منهم. فهذه هي الساحة الحقيقية لاختبار الوعي السياسي بناء على المحك الحقيقي: من تخدم أفكارك المنمقة ياسيدي؟

نشرت في جريدة الشروق يوم الأحد 10 أبريل 2011

السبت، 9 أبريل 2011

كارل ليبكنخت والثورة الألمانية


يعد الاشتراكي الألماني ليبكنخت أحد أبرز الزعماء في تاريخ الحركة الاشتراكية وقد قضى معظم حياته على أقصى يسار الحزب الاشتراكي الألماني وقتل مع رفيقة نضاله، روزا لوكسمبورج، أثناء الثورة الألمانية في 15 يناير 1919.

برز ليبكنخت على الساحة العالمية مع بداية الحرب العالمية الأولي في أغسطس 1914 حيث كان الحزب الاشتراكي الديموقراطي، مثل الأحزاب الاشتراكية في أوروبا، قد وافق في مؤتمرات عديدة على معارضة هذه الحرب والدعوة إلى التحرك بالاشتراك مع العمال في البلدان الأخرى لمقاومتها، حتى أنه في 25 يوليو 1914 أصدر قادة الحزب بيانا إلى الطبقة العاملة جاء فيه: ".. إن الطبقات الحاكمة، التي تضطهدكم وتحتقركم وتستغلكم في أوقات السلم تريد الآن أن تستغلكم كذخيرة لمدافعها، يجب أن تدوي الصرخة في كل مكان في آذان الطغاة، نحن لا نريد الحرب، ليحيا الإخاء بين الشعوب.."

ومع ذلك صوّت الحزب في 4 أغسطس في البرلمان الألماني لصالح الحكومة في زيادة الاعتمادات الضرورية لتمويل الحرب. وقضي ليبكنخت ورفيقته في الجناح اليساري روزا لوكسمبورج شهورا ساخنة في محاولة عاجلة لتنظيم المعارضين للحرب من أعضاء الحزب. ففي 2 ديسمبر 1914 صوت البرلمان مرة أخرى على زيادة اعتمادات الحرب وفي هذه المرة نهض ليبكنخت وصوت ضد الحكومة ولكن جميع أعضاء الحزب الآخرين صوتوا لصالح الحكومة.

انتشرت أنباء معارضة ليبكنخت للحرب في أوروبا كلها وألهمت الاشتراكيين أمثال لينين والبلاشفة في روسيا الذين ناضلوا ضد الحرب وضد الطبقة الحاكمة في بلادهم. وفي بداية عام 1916 قرر ليبكنخت ورفاقه تكوين منظمة لتوحيد العناصر على يسار الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وأطلقوا على هذه المنظمة اسم سبارتاكوس، الذي قاد ثورة العبيد ضد روما في عصر الإمبراطورية الرومانية. وحتى يتم طرح السياسات الاشتراكية الأصلية كان لابد من الانشقاق الحزب الاشتراكي الديمقراطي.

وعندما انتقد ليبكنخت بعد ذلك بسبب تدميره ‘لوحدة’ الحزب أجاب: "الوحدة! من يمكن أن يستميت من أجلها أكثر منا؟ تلك الوحدة التي تمنح الطبقة العاملة القدرة على إنجاز رسالتها التاريخية. ولكن ليست كل وحدة تعني القوة، فالوحدة بين الذئب والحمل يجعل من الحمل وجبة شهية للذئب، فقط القوى التي تتحرك في نفس الاتجاه هي التي تتعزز بالوحدة، ونحن نسعى لتوحيد القوى التي تتحرك في نفس الاتجاه.."

ودعت عصبة سبارتاكوس إلى مظاهرة ضد الحرب في عيد أول مايو 1916، وشارك حوالي عشرة آلاف عامل فيها لتصبح أول مظاهرة حاشدة في مواجهة الحرب، وفيها تصدر ليبكنخت الجموع هاتفا: "تسقط الحرب! .. تسقط الحكومة!" فقبض عليه في الحال.

ووجهت لليبكنخت تهمة الخيانة وحكم عليه بالأشغال الشاقة لمدة سنتين ونصف أمام المحكمة العسكرية، ولكن معارضة الحرب تزايدت وأضرب أكثر من خمسين ألفا من عمال الذخيرة في ذات اليوم. ومع استمرار الحرب تزايد الغضب والمرارة بين العمال والجنود بسبب تزايد الضحايا على الجبهة وتدهور مستويات المعيشة في الداخل، ففي أكتوبر 1918 بدأت أعداد هائلة من العمال تشن مظاهرات عفوية ضد الحكومة واضطرت الحكومة لإطلاق سراح ليبكنخت.

في نوفمبر 1918 أعلن جنود البحرية في مينائي كييل وفولهالم سهافن العصيان ضد ضباطهم وأشعلوا شرارة موجة من العصيانات والإضرابات في ألمانيا بكاملها، وانطلق مئات الآلاف من العمال إلى الشوارع، وعلى الجبهة ألقى الجنود بأسلحتهم ورفضوا القتال، وفي خلال أيام أُجبر القيصر على التنحي واستقالت الحكومة وأدت الثورة العمالية فعليا إلى إنهاء الحرب العالمية الأولى. وساعتها طُرح السؤال: من سيحكم ألمانيا الآن؟

لقد شكل العمال والجنود هنا وهناك مجالس ديموقراطية نظمت الإضرابات والعصيانات في كل منطقة، وفي مناطق عديدة بدأت هذه المجالس في السيطرة على بعض مهام الحكم وتوزيع الطعام وتحديد الأسعار. وتركزت السلطة بالضرورة في أيدي المجالس المنتخبة للعمال والجنود في أنحاء ألمانيا. ودعا ليبكنخت والسبارتاكيون إلى حل الدولة القديمة وسيطرة المجالس على السلطة في البلاد، ولكن لم يؤيدهم سوى آلاف قليلة، فبرغم أن ملايين العمال الذين كانوا من قبل يمنحون أصواتهم لأحزاب الطبقة الحاكمة توجهوا إلى اليسار، كان معظمهم يتطلع إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني. وتطلع آخرون إلى مجموعة منشقة عن الحزب تدعي الحزب الاشتراكي الديمقراطي المستقل كانت قد انفصلت عن الحزب في 1917. وبدورهم حرض قادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي القيادات النقابية وكوادر الحزب على السيطرة على المجالس وناضلوا من أجل القضاء على الحركة وإعادة السلطة للبرلمان، بينما كان المستقلون يرون أن تستمر المجالس جنبا إلى جنب مع البرلمان وآلة الدولة القديمة، وشاركوا في تشكيل الحكومة مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي.

أكد ليبكنخت على ضرورة التغيير الجذري ودحض ببراعة قادة الحزب الاشتراكي الألماني: " لقد بدأت الثورة المضادة بالفعل، والخطر أصبح يهددنا ليس فقط من الدوائر التي سيطرت على السلطة حتى الآن، كبار الملاك والرأسماليين والإمبرياليين والملوك والأمراء والجنرالات، ولكن كذلك من الذين يؤيدون الثورة اليوم وكانوا حتى الأمس يعارضونها.."

ولكن لم يصدق غالبية العمال أن زعماء الحزب الاشتراكي الديمقراطي ذوي الشعارات اليسارية كانوا يريدون الإبقاء على الرأسمالية في السلطة، كما لم يكن لدى ليبكنخت القوة المنظمة الكافية.

كان الرأسماليون وزعماء الحزب الاشتراكي الديمقراطي يعرفون جيدا أن السلطة لا يمكن أن تقسّم بين العمال والبرجوازية، وتحركوا بسرعة لبدء المعركة قبل أن يستطيع الثوريون تعميق جذورهم داخل الطبقة العاملة.

وقد وقف الحزب الشيوعي الذي أسسه ليبكنخت ولوكسمبورج في يناير 1919 ضد محاولة ثورة كانوا يرونها سابقة لأوانها، ولكن غالبية أعضائه كانوا قليلي الخبرة ولم يستطيعوا تحقيق المعادلة الصعبة بالجمع بين المشاركة في الحركة مع الانتظار حتى يصبح اليسار بالقوة الكافية قبل الهجوم المباشر على السلطة. وحتى ليبكنخت أخذه الحماس وأصدر بيانا يدعو فيه للإطاحة بالحكومة، وبينما أقنعته روزا لوكسمبورج والقيادات الأخرى بخطأ موقفه أدى التخبط الذي كان قد حدث بالفعل إلى انعزال العمال الثوريين.

انتهت نضالات يناير بالهزيمة، فقد قامت الحكومة بتعبئة الجيش لقمع الانتفاضة، وبدأ زعماء الحزب الاشتراكي الديمقراطي قمعهم الدموي، ونشرت جريدة الحزب اليومية قصيدة تحرض على قتل ليبكنخت ولوكسمبورج ورفيقهم كارل راديك.

تم القبض على ليبكنخت ولوكسمبورج وأُخذوا للاستجواب حيث هشم الجنود رأسيهما بكعوب البنادق. وفي الأسابيع التالية تحرك الحكم لإعادة تأسيس الدولة بنفس الأشخاص الذين كانوا يديرونها قبل وخلال الحرب.

ولكن خلال السنوات الأربع التالية كان هناك العديد من انفجارات النضال العمالي، وقد وصل الكثير من العمال للاستنتاجات الثورية التي كان ليبكنخت يطرحها.

أدرك ليبكنخت في الليلة السابقة لاغتياله أن معركة يناير قد انتهت بالهزيمة، ولكنه كان يؤمن بأن النضال من أجل الاشتراكية لم ينته على الإطلاق، ودون في تلك الليلة أفكاره في مقال بعنوان ‘بالرغم من كل شئ’ وكان يتطلع لذلك اليوم الذي يدرك فيه جماهير العمال قوتهم الحقيقية وقدرتهم على إدارة المجتمع:

.. الذين هزموا اليوم قد تعلموا. لقد تخلصوا من وهم أنهم يستطيعون الاعتماد على قياداتهم. إن الدروس القاسية لهذا الأسبوع قد أكسبت شعار ‘تحرر الطبقة العاملة لا يمكن أن يحققه إلا نضال الطبقة العاملة نفسها’ معنى أعمق من ذي قبل.

نشرت في مجلة الاشتراكية الثورية - العدد 14 - فبراير 1996