الجمعة، 16 أكتوبر 2009

الاقتصاد السياسي لإعادة هيكلة الدعم


مايو 2006

يشتبك السياسي والاقتصادي في صلب سياسات ما تسميه الحكومة "إعادة هيكلة الدعم". وائل جمال يكشف طبيعة هذه السياسات الطبقية الشرسة في معاداتها للفقراء في إطار الحدود التي يرسمها الميزان السياسي والاجتماعي والطبقي في مصر.

بدأت الحكومة المصرية تحركاتها لتنفيذ ما أطلقت عليه "خطة شاملة لخفض الدعم المخصص لرغيف الخبز دون المساس بسعره" وذلك في إطار ترتيبات إعادة هيكلة الدعم. وتعتمد الخطة علي خفض كميات الدقيق المدعم المخصص لصناعة الخبز في المحافظات عن طريق خفض الحصص المسلمة للمخابز. وهكذا بدأت حكومة نظيف في تفعيل واحد من اهم محاور برنامجها الاقتصادي، وربما يكون أشرسها ضد الفقراء. والحقيقة أنه على العكس من كل الطنطنة التي تقدمها البرجوازية وصحافتها حول فاتورة الدعم المتزايدة والتي تشكل أكبر عبء على موازنة الدولة، فإن قيمة الدعم الحقيقية تتراجع في السنوات الأخيرة وفقا لجميع المؤشرات. إلا أن ما تطلق عليه الحكومة "إعادة هيكلة الدعم" سيشكل خطوة نوعية بكل المعايير في برنامج الإصلاح النيوليبرالي المنحاز للأغنياء ورجال الأعمال.

أساطير حكومية حول الدعم

تقوم الترسانة الإيديولوجية للبرجوازية المصرية وجناح الصقور فيها الذي تولى زمام السياسة الاقتصادية منذ مجيء حكومة نظيف للسلطة على عدد من الأفكار المكذوبة والملفقة التي تبرر بها خططها تلك.

1. الدعم يزيد

تؤكد الحكومة أن واحدة من المشاكل الرئيسية التي تشكل عبئا على عجز موازنتها السنوي وعلى الدين العام المحلي الذي وصل لمستويات قياسية هو اضطرارها لزيادة الدعم كجزء من التزامها الذي لا يلين بمحدودي الدخل!! لكن هذه كذبة هائلة. فجميع المؤشرات تجمع على أن قيمة الدعم الحقيقية تتراجع وبشكل مستمر حتى قبل مجيء نظيف للسلطة. والدليل على هذا التراجع الدرامي في عدد المصريين المستفيدين من الدعم، تراجع السلع المدعومة عددا وقيمة، تقليص عدد البطاقات التموينية،..الخ. أما الزيادات المتواصلة التي تسجلها الصحف القومية ومنشورات دعاية الحزب الوطني (التي تنشر في صورة مقالات لكبار الصحفيين في هذه الصحف) في حجم الدعم فهي تعود إلى تغير طريقة حسابه. فجزء يصل لمئات الملايين من الجنيهات لا يتعلق بالفقراء من الأصل، حيث يقدم في صورة دعم للصادرات وأموال تندرج في إنفاق الدولة على الخدمات العامة، بل إن خسائر المرافق العامة (التي قد تعود لفساد إدارتها وانعدام كفاءتها، وهي ظاهرة مباركية أصيلة) يحسب على أنه دعم للفقراء. هذا إلى جانب أنه بمجرد انتقال نبي الليبرالية الجديدة في مصر، يوسف بطرس غالي، إلى وزارة المالية، أضاف إلى الميزانية في سابقة جديدة ما يسمى بالدعم المستتر وهو ما يمكن أن يمثل الأكذوبة الثانية.

2. الأسعار العالمية

تقوم فكرة الدعم المستتر على فكرة مفادها أن هناك فارقا في سعر منتجات كالمنتجات البترولية بين السوق المحلي والعالمي. وأنه بما أن الدولة لا تعوم السعر ليصل إلى السعر العالمي فإن ذلك يشكل دعما منها لمن يستهلكون السولار والغاز الطبيعي والبنزين (وفقا لتصريحات وزير التضامن الاجتماعي في حوار لجريدة المصري اليوم، وفي ظل ارتفاع أسعار البترول في السوق العالمي، يصل هذا الدعم في موازنة 2005-2006 إلى 42 مليار جنيه بينما هو في أغلب التقديرات لايتجاوز 22 مليار). وهذه أكذوبة اقتصادية على أعلى مستوى. فمن ناحية لا يفترض أن تشتمل الميزانية –حساب الموارد والمصروفات- على منطق افتراضي، والمقارنة بما كان ينبغي أن يكون. ومن ناحية أخرى، فإن فكرة الأسعار العالمية ليست حقيقة نهائية تعبر عن قوى السوق فهي تصطدم مثلا بتأثير الاحتكارات على الأسعار، هذا إلى جانب تفاوت تكاليف الإنتاج من بلد لآخر ناهيك عن مدى توافر ثروة كالنفط الذي يؤثر على الأسعار المحلية للمنتجات. أيضا فإن مساواة الأسعار المحلية بالأسعار العالمية إن صحت كاستراتيجية نظرية فهي تقترن أيضا بضرورة مساواة الأجور المحلية بالأجور العالمية. الأنكى من هذا هو فاتورة دعم الطاقة الموجه للقطاع الخاص، ورجال الأعمال المحتكرين ارتفعت أضعافا مضاعفة، دون أن ترمش عيون الحكومة التي تدعم أحمد عز ومحمد أبو العينين والشركات العملاقة الأجنبية التي اشترت مصانع الأسمنت والأسمدة المصرية سنويا. إذ تقدم لهم الغاز الطبيعي بسعر زهيد يكلفها سنويا دعما يصل إلى 9 مليار جنيه. وليست هناك خطط حقيقية لتقليص هذا الدعم الذي كاد تهور وزير البترول الحالي حينما أشار إليه مرة أن يطيح به من منصبه. وترتبط بهذه الأكذوبة أكذوبة أن دعم الطاقة يشوه الأسعار، وهو ما يخل بآليات السوق، ويؤدي لاضطراب السياسة الاقتصادية. وإيمان الدولة ولو حتى ظاهريا بهذه الأكذوبة ضعيف، فهي لم تتخذ أي خطوة جدية، ولن تتخذ مثل هذه الخطوة لأسباب واضحة، تجاه احتكارات الحديد والأسمنت واستيراد الورق والسكر وغيرها والتي ترفع الأسعار مغذيةً جيوب المحتكرين بالمليارات. وكان ذلك هو الأولى بها لو أنها مهمومة حقا بتشوه الأسعار!!

3. إيصال الدعم للفقراء

تصل حكومة نظيف إلى درجة من الوقاحة لا مثيل لها وهي تدافع عن أن السبب وراء إعادة هيكلة الدعم هو أنه بصورته الحالية لا يصل للفقراء بل يتسرب أساسا للأغنياء بالذات فيما يتعلق بدعم الطاقة. وفي فضح هذه النقطة يمكن الإشارة إلى مصدر لا يمكن تصنيفه على أنه معاد لحكومة نظيف هو ورقة بحثية ل د. أمنية حلمي صادرة عن المركز المصري للدراسات الاقتصادية (يضم في عضوية مجلس إدارته جمال مبارك ونخبة من رجال أعمال لجنة السياسات) تقول فيها إنها على الرغم من إتسامها "بانخفاض الكفاء الاقتصادية" إلا أنها "تحقق فوائد عديدة، منها تخفيض الفقر، وتوفير الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية للمواطنين لحمايتهم من سوء التغذية، وتحقيق الاستقرار السياسي. فقد ساهم دعم أسعار السلع والخدمات الأساسية لصالح 12.6 مليون أسرة (في لحظة من تاريخه) في تخفيض نسبة الفقراء. كما ساعد دعم الخبز البلدي على إبقاء نحو 730 ألف نسمة فوق خط الفقر. ووفر دعم السلع الغذائية الأساسية حوالي 40% من احتياجات محدودي الدخل من السعرات الحرارية.

ووفقا لدراسة أخرى عن المجالس القومية المتخصصة، فإن الدعم غير المباشر الذي يقوم علي توفير سلع وخدمات بالسوق بأسعار تقل عن سعرها العالمي مثل منتجات البترول المستخرجة محلياً والتي بلغت ٢٢ مليار جنيه أي 45.5% من الدعم الكلي في الميزانية لا يحتل فيه البنزين (الذي تقول الحكومة إنه الهدف الرئيسي من التغيير على أساس أن المستفيد منه هو الأغنياء الذين يمتلكون سيارات) إلا نسبة ٢% من الدعم الموجه للمنتجات البترولية، مما يعني أن رفع أسعاره لن يؤدي إلي وفر يذكر من الإجمالي عن المواد الأخري، مثل الغاز 18.5% والسولار 12.5% والبوتاجاز ١٠%.

ما الذي تنتوي الحكومة فعله؟

وتكشف لنا نظرة سريعة على خطط الحكومة حقيقة الأمر. وفي البداية يجب الإشارة إلى حجم التعتيم الذي تمارسه الدولة على خططها في هذا الإطار. ويصل الأمر إلى حد أنه بالنسبة للكهربا على سبيل المثال، هناك خطة تنفذ خفية منذ أكتوبر 2004 لرفع أسعار الكهرباء بثمانية في المائة في 2004 ثم خمسة في المائة سنويا لمدة خمس سنوات وهو ما ينهي دعم الكهرباء تماما في 2007. وهناك مطالبات برفع النسب هذه. بينما من المخطط في حال استمرار هذه النسب أن تستمر الارتفاعات لسنتين آخرتين على الأقل لكي تحيد أثر رفع الدعم المتوقع على المنتجات البترولية وهي التي تقدم مدعومة لتوليد الكهرباء. هذه الخطة لم تقدم لمجلس الشعب، ولم يتم الإعلان عنها كجزء من برنامج الحكومة لكنها ُتنفذ. ويمكن أن نتوقع ترتيبات مشابهة في الخدمات الأخرى كالمياه والنقل، تشكل أجزاءا من الإطار الأعم لتقليص، بل وإنهاء دعم الفقراء تماما.

وتشير المعلومات المتسربة من بعض الدراسات المحدودة بنطاق مؤسسات بحثية قريبة من دوائر صنع القرار الاقتصادي في الجناح النيوليبرالي من البرجوازية المصرية كالمركز المصري للدراسات الاقتصادية ومركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار وبعض المؤسسات الدولية إلى أن الطبقة الحاكمة في مصركانت تبحث اختيارا من اثنين.

الأول هو تعديل سياسات الدعم الحالية. ويعني ذلك إعادة تحديد المتلقين للدعم وبالذات دعم الغذاء إلى جانب إعادة تسعير المنتجات البترولية وتغيير تركيبة السلع المدعومة وتحديث نظام التسجيل في بطاقات التموين لاستبعاد المستفيدين عن غير وجه حق. أما الاختيار الثاني وهو ما تميل الحكومة لتنفيذه فعلا في هذه اللحظة، فهو التحول إلى نظام للدعم النقدي. وسيقوم النظام الجديد على التعويض النقدي لمحدودي الدخل. وتقول الحكومة إنه سيعتبر تعويضا عادلا لمحدودي الدخل عن أضرار ارتفاع الأسعار المتوقع. وأنه سيخفض الأعباء المالية على الحكومة ويرشد الاستهلاك. وسيتم تحديد المستحقين للدعم النقدي غالبا عبر فاتورة استهلاك الكهرباء.

والأكيد هو أن هذا النظام الجديد سيقلص بشدة مما سينفق على الدعم بالذات دعم الغذاء، وسيؤدي إلى رفع هائل للأسعار. ويكفي أن نشير إلى تحذير للبنك الدولي من أن نسبة كبيرة من سكان مصر تعيش فوق حافة الفقر وبالتالي فإن أي ارتفاع طفيف في أسعار المنتجات الغذائية (تحتل 80% من إنفاق الأسر الفقيرة وحوالي نصف متوسط إنفاق الفرد الاستهلاكي في مصر. وهو ما يعني دفع الملايين إلى صفوف الفقراء. وإذا أضفنا تأثيرات رفع أسعار الخدمات الرئيسية كالتعليم والنقل والصحة والمياه والكهرباء، وفوق كل شيء أسعار البترول والغاز التي سترفع معها أسعار كل شيء تقريبا، نستطيع إدراك حجم الكارثة.

الدعم والسياسة

فذكرى 18 و 19 يناير 1977 لا تزال ماثلة في الأذهان. لذلك فإن الحكومة تسعى إلى البحث في الطريقة المثلى لرفع الدعم، وفي نفس الوقت، تجنب رد الفعل الشعبي العنيف على هذا الإجراء. وهكذا تلجأ إلى الإجراءات غير المعلنة تارة، وإلى تسريب بعض الأخبار هنا وهناك، في شكل بالونة اختبار،على مدى ثلاث إلى خمس سنوات، تلوكها الناس حتى تمل، وذلك حتى تهيء الأرضية قبل أن تخطو خطوتها. وهو ما فعلته حتى الآن بالنسبة للدعم. لكن بالرغم من نفاذ عزم الحكومة على المضي في خططها فإن شبح 1977 يبقى ماثلا. وهكذا مازال هناك صراع تقديرات مثلا فيما يخص تطبيق سياسة الدعم النقدي بشكل تدريجي أم بشكل فوري.

هذا بينما تحذر الدراسة الصادرة عن المجالس القومية المتخصصة (يرأسها كمال الشاذلي، ممثل الحرس القديم في الحزب الوطني، وهو الجناح الذي يلعب على فكرة أن خطط الجناح الآخر مفجرة سياسيا واجتماعيا) من أن "أن الانتفاضات الشعبية للشارع المصري في العقود الأربعة الأخيرة، كان أهم دوافعها رفع الدعم عن أسعار بعض الأغذية الأساسية. وعلى ذلك فوفرة الخبز البلدي وسعره وجودته باعتباره أهم مفرد في سلة الغذاء للفرد المصري تمثل حداً أدني لمعايير رضاء المجتمع المصري عن حكومته". وبدرجة ما نستطيع أن نرى إدراك الدولة لحساسية رغيف الخبز حيث لن يكون إلغاء دعمه بنفس السرعة التي ستنفذ بالنسبة للبنود الأخرى. لكن نستطيع أن نرى أيضا إصرارها على تقليص الإنفاق عليه بتقليص عدد المخابز الذي تقدمه وبالتالي سيحتفظ بسعره غير أن الفقراء لن يجدونه.

وتفصل دراسة ثالثة صادرة عن مركز دعم القرار بمجلس الوزراء أساليب التعامل المقترحة لامتصاص الغضب الشعبي جراء إلغاء البطاقات عبر "الاهتمام بإبراز فوائد نظام الدعم النقدي إعلاميا، والتدرج في التطبيق عن طريق تحويل جزء من الدعم العيني لدعم نقدي وقياس مدى تقبل الخطوة". غير أنه من غير المحتمل أن تثني هذه التحديات مجموعة الصقور النيوليبراليين الذين يرغبون في حل أزمة عجز الموازنة على حساب الفتات الذي يقدم للفقراء عن التحرك السريع في تنفيذ مخططهم. ويمكن في إطار ذلك أن نرى إمكانات أعلى لتفجر الغضب الشعبي والطبقي خاصة في ظل الفوران الذي تشهده مصر على كل الجبهات.


الخميس، 15 أكتوبر 2009

توشكي: نموذج لسياسة مبارك الاقتصادية


مايو 2006

عاد مشروع توشكي لبؤرة الضوء مرة أخرى بعد أن توارى في الظل لفترة، بعد تعثره البالغ في السنوات الأخيرة. وائل جمال يستدعي تجربة عشر سنوات منذ البدء فيه، ويحاول تفسير عودة النقاش حول مشروع يمثل فشله فشل كل العناصر الرئيسية في سياسة مبارك الاقتصادية.

رحلات منتظمة للصحفيين والإعلاميين والسياسيين لزيارة مشروع توشكي على الأرض. أخبار تتسرب للصحف حول إعادة المشروع للحياة كنتاج لجهود حكومة نظيف، بعد نجاح واحد من رجال لجنة السياسات، رئيس الشركة القابضة التي تتبعها شركة جنوب الوادي هادي فهمي، والذي يرأسه مباشرة محمود محيي الدين في استصلاح سبعة آلاف فدان هناك. وفي المقابل، استجوابات في مجلس الشعب تطالب بكشف حساب عن المليارات التي أنفقت هناك. وهكذا يعود الجدل حول واحد من أهم جوانب السياسة الاقتصادية في سنوات حكم مبارك الخمسة وعشرين إثارة للجدل.

كان هذا المشروع قد ظهر فجأة بعد زيارة لمبارك لمنطقة النوبة لافتتاح مفيض توشكي في مطلع عام 1996. ورافقته حملة هائلة عما أطلق عليه في الصحافة الرسمية المشروعات القومية الكبرى في عهد "النهضة المباركية" (ترافق معه مشروعات حديد أسوان، وشرق التفريعة، وترعة السلام، وشرق العوينات). ووعدت الحملة بخلق وادي أخضر جديد للنيل، وتخفيف الكثافة السكانية في الوادي القديم بتعمير جنوب مصر، وحل مشكلة البطالة، ودفع إنتاج مصر الزراعي، وتفعيل استخدامها لثروتها المائية. هذا بالطبع إلى جانب اقتحام الأسواق العالمية بصادراتنا الزراعية! بالتأكيد مآل هذه الأهداف واضح بالنسبة لنا جميعاً، لكن قصة هذا المشروع جديرة بالنظر كتجسيد للطريقة التي تدير بها البرجوازية بزعامة مبارك سياساتها الاقتصادية وموارد مصر على مدى العقود الماضية.

المشروع

مشروع استصلاح الأراضي في توشكي، التي تقع على بعد 220 كيلومتراً جنوب غرب أسوان على الجانب الغربي من بحيرة ناصر، وعلى مسافة سبعين كيلومتراً من الحدود السودانية، هو فكرة قديمة طرحت في الستينيات في إطار رفع كفاءة استخدام موارد مصر المائية. لكن الفكرة لم تتجاوز الورق الذي كتبت عليه وقتها بسبب شك الحكومة في جدواه. ثم عاد المشروع مرة أخرى في مطلع الثمانينيات في إطار دراسات لزيادة الرقعة المأهولة بالسكان في مصر من خمسة في المائة إلى خمسة وعشرين في المائة وزيادة الأراضي الزراعية من 8 مليون فدان إلى 11,4 مليون بحلول عام 2017. وفي القلب من هذه الأفكار جاء مشروع تنمية جنوب الوادي. وكان هدف المشروع هو استصلاح مليون فدان في مناطق توشكي وشرق العوينات والوادي الجديد بتكلفة 300 مليار جنيه مصري على مدى عشرين عاماً، تتحمل الحكومة مابين عشرين إلى خمسة وعشرين في المائة منها بينما يتحمل القطاع الخاص الباقي.

وبعد زيارة مبارك لافتتاح مفيض توشكي في 1996 في أعقاب واحد من أكبر الفيضانات التي شهدتها مصر في العقود الأخيرة، أعلن عن أن الجزء الخاص بتوشكي من المشروع على أجندة الحكومة وبدأ العمل فيه فعلياً في يناير 1997. ويهدف الجانب الخاص بتوشكي داخل مشروع تنمية جنوب الوادي إلى استصلاح وزراعة 550 ألف فدان وريها بمياه تسحب مباشرة من بحيرة ناصر عبر قناة تشق في صخور النوبة وتبطن بالأسمنت عند أدنى مناطق البحيرة منسوباً لضمان إمداد المنطقة بالمياه في كل الأحوال. ثم ترفع المياه بعد ذلك لارتفاع خمسين متراً لكي تصل لمنسوب الأرض عند توشكى منحدرة بعد ذلك لمناطق الاستصلاح. وقدرت كمية المياه اللازمة لري هذه الأراضي بحوالي 5 مليارات متر مكعب ترفع عبر محطة ضخ هي من أكبر محطات الضخ في العالم.

وتم تقسيم الأرض إلى أربعة مناطق تتراوح كل منها بين 100 ألف و155 ألف فدان، تقع اثنتان منها شمال القناة واثنتان جنوبها. وكانت الخطة أن تقوم الحكومة بمد القنوات وضخ المياه وتوصيلها لمناطق الاستصلاح وإقامة البنية الأساسية ومد الطرق وإقامة المطارات وتوصيل الكهرباء. بينما طرحت الدولة الفدان بسعر رمزي بعد كل ذلك يصل إلى خمسين جنيها للفدان (أربعة في الألف من تكلفة الفدان). وكانت الخطة أيضاً أن تبلغ جملة استثمارات الحكومة في إقامة هذه البنية الأساسية حوالي 6.2 مليار جنيه. وبعد الانتهاء من إنشاء البنية الأساسية في 2002 ـ كما كانت الخطة تقول ـ كان من المزمع استصلاح مائة ألف فدان سنوياً لمدة ثلاث سنوات ثم عشرين ألف فدان سنوياً لينتهي المشروع تماماً بحلول 2017. وبحلول ذلك الوقت يكون عدد سكان المنطقة قد بلغ 2 مليون شخص.

الواقع

على مدى السنوات الماضية، وعلى العكس من الطبول التي صاحبت بدايته، توارى المشروع إلى الظل. وتجنبت الصحافة الرسمية حتى الإشارة إليه عدا في المرات القليلة التي زار فيها مبارك الموقع. والحقيقة أن المشروع لم يتحرك كثيراً على مدى ما يقرب من نصف المدة المقررة لإنهائه. فبرغم قيام الحكومة بإنفاق ما يقرب من 17 مليار جنيه مصري على البنية الأساسية (التقديرات الرسمية تتجاوز الخمسة مليارات بقليل لكن جميع الخبراء الاقتصاديين يرفضون الرقم)، فإن ما تم استصلاحه حتى هذه اللحظة لا يتجاوز سبعة آلاف وخمسمائة فدان من بين ثلاثمائة ألف كان مخططاً لها. أغلب هذه الأراضي قامت باستصلاحها شركة جنوب الوادي في العامين الماضيين في الوقت الذي لا تتجاوز فيه مساحة الأراضي التي تمت زراعتها في المساحة الوحيدة التي تم تخصيصها لمستثمر خاص هو الوليد بن طلال ستمائة فدان حتى الآن. وبالمقارنة بـ 2 مليون شخص كان من المفترض أن ينتقلوا للحياة في توشكي عبر توفير 700 ألف فرصة عمل جديدة ، هناك 15 ألف شخص يعيشون هناك الآن، أغلبهم عمالة مؤقتة بينما مازالت مدينة توشكي الجديدة حبراً على ورق. ومازالت جهود الحكومة في إقناع مستثمرين خاصين برغم كل التسهيلات تواجه حائطاً سداً. وهكذا فإن أكثر من مائتي ألف فدان لم يتم تخصيصهما للآن. وتتوقف طموحات هادي فهمي وشركته عند الزراعة بالوكالة للشركات في مقابل تسليم المحصول المزروع لها (على سبيل المثال، زراعة الشعير لحساب شركة الأهرام للمشروبات). وذلك شريطة نجاح شركة جنوب الوادي في إضافة 30 ألف فدان أخرى للأراضي المزروعة بحلول يناير 2007.

والحقيقة أن خبراء وعلماء مهمين على رأسهم شيخ الجيولوجيين د. رشدي سعيد قد توقعوا إلى حد بعيد ماحدث في توشكي منذ البداية. فمن ناحية كان هناك تساؤل حول صحة توجيه عشر دخل مصر المائي للمشروع مع الوضع في الاعتبار أن فيضان 1996 كان استثنائياً وأن مصر تعاني بالفعل من نقص متزايد في مواردها المائية. هذا بالإضافة إلى أن ارتفاع درجات الحرارة الهائل في المنطقة (تصل إلى خمسين درجة مئوية) يرفع معدلات البخر بطريقة هائلة وهو الأمر الذي يجعل الهدر كارثيا، ويوقف عملياً الزراعة لمدة ثلاثة أشهر من السنة. أيضاً قدر رشدي سعيد منذ البداية أن عدد فرص العمل التي سيخلقها المشروع لن تتجاوز الثلاثين ألف فرصة عمل خاصة مع ضرورة اعتماد منطق الزراعة الرأسمالية الواسعة لكي تكون الزراعة اقتصادية (وهو ما يتناقض مع فكرة انتقال الشباب للعيش هناك وامتلاك أرضهم الخاصة واستصلاحها التي لعبت عليها الدعاية للمشروع في بدايته).

وقارن سعيد ومنتقدو المشروع بينه وبين الفرصة الاقتصادية البديلة التي كانت لتنتج عن إنفاق جزء من الأموال الباهظة التي أنفقت عليه مثلا لتحديث شبكة الري المتقادمة بطول وعرض الجمهورية في وقت تحتاج فيه مصر، التي يقطنها 72 مليون نسمة، يعيشون على 8.3 مليون فدان من الأرض الزراعية في وادي النيل والدلتا، بشدة لتوسعة الأراضي الزراعية. خاصة أن هذه الأموال الباهظة التي أنفقت على توشكي وغيرها من مشروعات مبارك القومية الأخرى، انتهى أغلبها بعد قضايا فساد عنيفة إلى أزمة سيولة خانقة في الاقتصاد المصري. أما عن قضية إمداد مصر بحاجتها الاستراتيجية من القمح، وهي فكرة كانت محوراً للدعاية أيضاً فقد صارت محل شك بالغ بالذات مع اتجاه الحكومة الجديدة للتركيز على محاصيل أخرى أكثر ربحية، بالذات التي يمكن تصديرها للخارج.

نموذج لسياسات مبارك الاقتصادية

سوء التخطيط وإهدار الموارد والفساد والانحياز ضد مصالح الفقراء والاستغلال السياسي. كل هذه سمات أساسية للسياسات الاقتصادية التي اتبعها نظام مبارك على مدى ربع قرن. ومشروع توشكي بحكم الموارد الهائلة التي وجهت له هو نموذج واضح لكل هذه السمات. فالمشروع لم يقم على دراسة ذات قيمة علمية للبدائل المختلفة للتعامل مع ازمة التكدس السكاني في الشريط الضيق في الوادي. وهو بالتأكيد قام على إهدار مالي ومائي هائل لموارد مصر الاقتصادية.

أما عن الفساد وغياب الشفافية، فحدث ولا حرج. وتكفي هنا الإشارة إلى عملية تخصيص مايزيد على مائة ألف فدان للملياردير السعودي الوليد بن طلال بسعر يصل إلى خمسة ملايين جنيه (هناك بعض الشقق في القاهرة يتجاوز سعرها هذا الرقم). ليس هذا فقط، بل إن عقود التخصيص لم تضع أية شروط لا زمنية ولا من حيث النشاط الاقتصادي على الوليد، الذي يتمتع بعلاقة خاصة مع مبارك شخصياً ومع نظامه. (قارن ذلك بعقود الاستصلاح اليتيمة التي تعطى للشباب، وتشترط استصلاح الأرض في مدد زمنية محددة وإلا تسحب منهم الأراضي. هذا بالإضافة إلى انعدام كامل للشفافية فيما يخص المشروع. فحتى الآن ليس هناك تقديرات رسمية واضحة عما تم إنفاقه. وليس هناك تقديرات واضحة للجدوى الاقتصادية للمشروع.

ويقوم المشروع بوضوح على إنحياز لمنطق الرأسمالية الكبيرة في الزراعة. وهي بالتالي تقدم دعما بالمليارات من خلال البنية الأساسية لتضمن تحقيقها لأرباح ـ بغض النظر عن أنه حتى ذلك لم يجذب الرأسمالية الكبيرة للمكان. وفي الوقت نفسه تسحب الحكومة دعم الفقراء وتقلص إنفاقها الحقيقي على الخدمات العامة.

ونظرة سريعة على أوضاع العاملين القليلين الموجودين في توشكي تبين أي ظروف يعملون بها. وبرغم أن الأجور المعلنة تصل لستمائة وثمانمائة جنيه شهرياً إلا أن الحياة هناك صعبة للغاية. وتقول جريدة الوفد في تحقيق لها إن "العاملين المساكين الذين تصوروا أنهم وجدوا فرصة عمل جيدة في مشروع دائم، دخلوا في معارك مع وزارة الموارد المائية والري للحصول علي مستحقاتهم. ولأن اصحاب الحقوق أصبحوا بالآلاف فقد تم رفع مئات الدعاوي القضائية ضد الوزارة من هؤلاء العاملين، حصل بعضهم علي أحكام قضائية، تعطيهم الحق في الحصول علي مستحقاتهم. وبعض الدعاوي الأخرى مازالت متداولة أمام القضاء وقد نفذت الحكومة بعض هذه الاحكام ومازالت تقوم بتدبير مستحقات البعض الآخر!!"

توشكي والسياسة الآن

منذ اللحظة الأولى للتفكير فيه، كان مشروع توشكي محملاً بالسياسة ومخصصاً لخدمة السياسة. فقد طرح المشروع في إطار خلق مساحة تعبئة وراء النظام على أساس التزامه بمشروعات كبرى. ولا يمكن الفصل بين عودة توشكي للصورة مرة أخرى وبين الوضع السياسي الآني في مصر. فمن ناحية تحاول حكومة نظيف إثبات أنها قادرة من خلال مشروعها النيوليبرالي الفج على تحقيق ما فشلت فيه أجنحة البرجوازية الأخرى على مدى السنوات الماضية. ومن ناحية أخرى، فإن المناخ السياسي السائد في مصر والذي يضع تحت التقييم والنظر سنوات حكم مبارك برمتها سمح بوضع المشروع مرة أخرى تحت دائرة الضوء كأحد أكبر عمليات إهدار موارد مصر في تاريخها المعاصر. والأكيد هو أن توشكي وما حدث فيها يثبتان بما لا يدع مجالاً للشك أنه لامجال لطموحات المصريين العمرانية أو الاقتصادية الكبرى في منظومة ماكينتها الرئيسية أرباح رجال الأعمال وليس مصلحة الأغلبية الكاسحة من الكادحين.

الجمعة، 9 أكتوبر 2009

المرحلة الثالثة من الأزمة : محنة البطالة


من الفاينانشيال تايمز نقلا عن جريدة الشروق المصرية

برايان جروم -


بعد الأزمة المالية والركود، تأتى محنة البطالة. وسجلت البطالة بالفعل أعلى معدلاتها منذ الحرب العالمية الثانية، حيث بلغت 8.5% من قوة العمل فى 30 من البلاد الأعضاء فى منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية ذات الدخول العالية. ومن المتوقع أن تواصل الارتفاع لعدة شهور، برغم تعافى النمو الاقتصادى.

يقول ستيفانو سكاربيتا، رئيس قسم التوظيف بالمنظمة التى يقع مقرها فى باريس، إن «معظم بلاد منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية تواجه بالفعل أزمة فى فرص العمل. ومن المنتظر أن يزداد الموقف سوءا قبل أن نشهد التحسن».
ويحذر صندوق النقد الدولى من أنه سيكون هناك «إحياء للبطالة»، مع بقاء معدلاتها عالية وانتظار الشركات طويلا قبل أن تشرع فى التعاقد مع موظفيها.

ويمكن لارتفاع معدل فقدان فرص العمل بحد ذاته أن يخفض الطلب العالمى، وهو ما يشكل تهديدا لاستمرار التعافى الاقتصادى، خاصة مع تقلب أسعار النفط والسلع الأساسية.

ولكن ليست الصورة كلها قاتمة. فعلى الرغم من أن المنظمة تقول إن معدل البطالة يمكن أن يصل إلى نحو 10% فى البلاد المتقدمة مع نهاية العام المقبل مما يعنى فقدان 25 مليون شخص لوظائفهم منذ بدء الانكماش إلا أنها تعتقد أن علامات التعافى الحالية تشير إلى بلوغ البطالة ذروتها فى وقت مبكر بمعدل منخفض قليلا عن المتوقع. لكنها ترى أن على الحكومات التدخل «بسرعة وحسم» واتخاذ إجراءات للحيلولة دون ارتفاع معدلات البطالة على المدى البعيد.

وتمثل هذه الأزمة الاختبار الأخير لتحرير سوق العمل، التى نشهدها فى بعض البلاد منذ 1980، والتى يغلب عليها إضعاف النقابات العمالية وتسهيل إجراءات التعيين والفصل. وقد أثبتت حتى الآن أن نتائج متناقضة ولا تزال غامضة.

وقد دخلت معظم بلاد منظمة التعاون والتنمية الانكماش بنسبة بطالة منخفضة بلغت أدنى مستوى لها فى 25 عاما بوصولها لـ 5.6% فى 2007 ــ ويعود ذلك فى جانب منه إلى الإصلاحات التى شهدتها أسواق المنتجات والعمل. لكن هذه المرونة نفسها هى التى جعلت البطالة تزيد بصورة أكثر حدة، لأن عددا أكبر من العمال مرتبطون بعقود مؤقتة أو قصيرة الأجل.

وقد حلت خسائر الوظائف بالأساس بالفئات الأكثر احتياجا من الأصل الشباب والعمال محدودى المهارة والمهاجرين والأقليات العرقية والعمالة المؤقتة، ويثير هذا تساؤلا بشأن سلامة شبكات الخدمات الاجتماعية، فى ظل تزايد التفاوت ومعدلات الفقر النسبى فى البلاد عالية الدخل.

ويعد هذا أيضا اختبارا لـ«سياسات أسواق العمل النشطة»، وهى برامج للبحث عن العمل والتدريب الغرض منها إعادة العمال إلى العمل بسرعة.

وتقول منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية إن على الحكومات أن تعدل بصورة عاجلة أسواق العمل بها وسياساتها الاجتماعية للحيلولة دون وقوع الناس فى مصيدة البطالة طويلة الأمد. ويجب أن تركز الإجراءات على الشباب، الذين كانوا أكثر المتضررين من الأزمة، والتقليل من خطر إنتاج «جيل ضائع».

لقد كان الركود من النوع الذى أطاح إلى حد كبير بالفرضيات الثابتة عن أسواق العمل: أنه بينما اعتاد الاقتصاد الأمريكى المفعم بالحيوية نسبة قليلة من البطالة، وأن يعانى بدرجة أقل فى أوقات الركود، فإن أسواق العمل الصارمة فى أوروبا تعانى من الزيادة المستمرة فى البطالة. إلا أنه فى هذه المرة، تضاعفت نسبة البطالة فى الولايات المتحدة لتصبح 9.8% على مدى عامين. وقد شهدت الكثير من البلاد الأوروبية انخفاضا أكبر فى الناتج، لكن مع زيادة أقل بكثير فى البطالة، نظرا للإبقاء على الوظائف بفضل دعم الأجور.

ولم تزد نسبة البطالة الألمانية، التى بلغت 7.7% فى يوليو حسب مقياس منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية المنسق، إلا بنصف نقطة مئوية عنها فى سبتمبر 2008. وارتفع معدل البطالة فى فرنسا بمقدار نقطتين مئويتين منذ أواخر 2007 ليصل إلى 9.8%، بينما ارتفعت نسبتها فى إيطاليا بـ0.8% فقط لتصل إلى 7.4% فى الربع الأول من العام.

وتتمثل الاستثناءات الكبيرة فى إسبانيا، حيث صعدت نسبة البطالة فيها إلى 18.9%، وفى إيرلندا إلى 12.5% وكلا البلدين أصابهما فقاعات أزمة الإسكان.

فهل أصبحت أسواق العمل الأوروبية تتحلى بالمزيد من المرونة، مع جعل الأجر وليس الوظيفة أداة للضبط؟ ما زال الوقت مبكرا قليلا للحُكم.

وتقول المنظمة إن أيرلندا واليابان وإسبانيا والولايات المتحدة شهدت بالفعل أكبر خسائرها من الوظائف، فى حين لم تشهد فرنسا وألمانيا وإيطاليا بعد أعلى الخسائر.

وقد مدت ألمانيا برنامجها للدعم المؤقت للعاملين لفترات قصيرة (Kurzarbeit)، ليغطى أكثر من 1.4 مليون عامل. لكن هناك خشية من الارتفاع الحاد فى البطالة بعد نفاد الدعم. ويقول اكسيل فيبر، رئيس البوندسبانك، إن سوق العمل لن تعود إلى التحسن قبل شتاء 2010ــ2011.

يرى البعض أن أوروبا تحتاج إلى المزيد من تحرير أسواق المنتجات والعمل إذا أرادت إحياء روح المبادرة.

«هناك نوع من الجمود الثقافى فى التعبير عن المصالح الصناعية والسياسية. ليس هناك حراك فى أوروبا. وليست هناك مبادرات»، كما يقول فيليب جونزاليس، رئيس الوزراء الإسبانى الأسبق، الذى طلب منه القادة الأوروبيون إعداد تقرير عن إستراتيجية أوروبا.

وتُعزى الزيادة السريعة فى البطالة الأمريكية إلى تأثير الركود على القطاعات كثيفة العمل مثل البناء والتمويل. ويضيف جورج ماجنوس، كبير الخبراء الاقتصاديين فى يو بى إس (بنك استثمار) إن «عبء العمل هو العبء الأساسى الذى تحمله الناس مع بدء الأزمة»، بعد 15 عاما من التمويل الخارجى والإجراءات الفعالة.

ويتوقع بنك الاحتياط الفيدرالى أن تتجاوز البطالة نسبة 10% بحلول نهاية العام ثم تأخذ فى الانخفاض تدريجيا فى 2010. وقد سجل معدل العمل الأسبوعى انخفاضا قياسيا، ما يشير إلى أن أصحاب العمل سيزيدون من ساعات العمل قبل تعيين موظفين جدد. ويتزايد القلق فى الولايات المتحدة من البطالة طويلة الأمد. فهناك واحد من كل ثلاثة تمتد به البطالة لأكثر من 6 شهور، وهى أعلى نسبة منذ بدء التسجيل فى عام 1948.

بالمقابل، يبدو أن سوق العمل فى المملكة المتحدة تعمل بصورة أفضل مما كان عليها الحال فى أزمات الركود السابقة وأفضل من البلاد الأخرى، التى شهد قطاع الإسكان بها انكماشا حادا.

وبالرغم من توقعات الاقتصاديين بأن يبلغ مجموع العاطلين، الذين تصل نسبتهم حاليا إلى 7.9%، إلى نحو 3 ملايين عاطل، أو بنسبة 10% تقريبا، فإن الانخفاض الكلى لم يزد على ثلث نسبة الانكماش الاقتصادى.

وقد حد تقليل ساعات العمل وتخفيض الأجور من خسائر الوظائف لكن هذا العامل سيبطئ من تعافى سوق العمل مع زيادة ساعات العمل قبل تعيين موظفين جدد. ويتوقع جون فيلبوت، كبير الاقتصاديين فى معهد التوظيف والتطوير، أن هناك «احتمالا بسيطا لعودة معدلات البطالة إلى ما كانت عليه قبل الركود قبل 2015».

وهناك إشارات متفائلة على المستوى العالمى. ففى آخر مسح أجرته شركة توفير الموارد البشرية، يتبين أن أصحاب العمل فى نصف عدد البلاد تقريبا يتوقعون زيادة صافية فى قوة العمل خلال الشهور الثلاثة المقبلة.

ويبدى أصحاب العمل الآسيويون ما عدا اليابانيين منهم تفاؤلهم فيما يتصل بالتوظيف. وهناك إشارات، وإن كانت ضعيفة، على التعافى فى أوروبا. لكن أصحاب العمل فى الولايات المتحدة ما زالوا محجمين عن العودة إلى التوظيف ثانية.

يقول جيفرى جوريس، رئيس شركة الموارد البشرية ومديرها التنفيذى: «حتى الآن ما زلنا عند مفترق الطرق. وهناك رغبة لتعيين أشخاص فى معظم الاقتصادات الكبرى، وهذا ما سيحدث. والسؤال هو: هل يمكن الاستمرار؟». وهو يرى أن المسألة الحاسمة هى إن كان من الممكن إدامة تعافى سوق العمل «بدون أسلوب صرف العمالة الأمريكى».

ويقول السيد ماجنوس إن البطالة يمكن أن تصل إلى نقطة التحول الصيف المقبل، لكن هناك احتمالا أن «تبلغ ذروتها، ثم تتراجع، قبل أن تعود إلى وضعها مرة أخرى».

يقول: «أتوقع أن يتواصل التوظيف بمعدل طفيف، لكن لا تزال هناك ضغوط لا تصدق على الشركات للاستمرار فى تقليل الأعباء».

وهو يرى أن الأرقام الرسمية عن البطالة تقلل من حجم المشكلة. وقد رصد المقياس الأوسع لوزارة العمل الأمريكية، الذى يشمل من توقفوا عن البحث عن عمل والعاملين المؤقتين، الذين لا تتوافر لهم فرصة العمل الدائم، معدلا قياسيا هو 17%.

«إن معدلات البطالة نفسها ليست إلا قمة جبل الجليد»، كما يقول يقول السيد ماجنوس، «وجبل الجليد هو سوق عمل ضعيفة البنية للغاية تعكس ضخامة الهزة الحادثة سواء بخفض الأعباء من جانب الشركات أو نقص الطلب من جانب المستهلك، بسبب تقليل الإقراض».